فضائل الاستغفار

مقدمة:
  قال أبو موسى رضي الله عنه: كان لنا أمانان، ذهب أحدهما وهو كون الرسول صلى الله عليه وسلم فينا، وبقي الاستغفار معنا، فإذا ذهب هلكنا، (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال: 33).
كثير من الناس في هذه الأيام التي نعيشها يبحث عن أمن وأمان له من الفتن والمحن والابتلاءات, ومن أعظم وسائل الأمن الاستغفار، فبالاستغفار تغفر الخطايا والذنوب، وبالاستغفار تكون البركة في الأرزاق.
 

الاستغفار فى القرآن الكريم
إن المتأمل والمتدبر لآيات القرآن الكريم يجد أن المولى سبحانه وتعالى قد بين لنا فضل ومكانة الاستغفار في مواضع كثيرة من كتابه العزيز ومنها:
 
1- أمر الله عباده بالاستغفار
  من فضائل الاستغفار أن الله عز وجل أمر عباده به في آيات كثيرة من القرآن الكريم ومنها:
قوله تعالى:{وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (البقرة: 199). وقوله تعالى:{وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} (هود: 3). أمرهم بالاستغفار في مواطن مظنة القبول، وأماكن الرحمة، وهو طلب الغفران من الله باللسان مع التوبة بالقلب، إذ الاستغفار باللسان دون التوبة بالقلب غير نافع. 
2-  أن الله عز وجل مدح أهله:
من فضائل الاستغفار أن الله عز وجل مدح أهله وأثنى عليهم فى مواضع كثيرة من كتابه العزيز ومنها: قوله تعالى: { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} (آل عمران: 17).
 قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} دَلّ على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار، وقد قيل: أن يعقوب عليه السلام، لما قال لبنيه {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} إنه أخرهم إلى وقت السحر.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: أمرنا أن نستغفر بالسحر سبعين استغفارة. 
 
3- الاستغفار من صفات المتقين:
من فضائل الاستغفار أنه من صفات المتقين كما أخبر سبحانه وتعالى: {... وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)} (آل عمران: 133- 136).
قال الإمام القرطبي رحمه الله: قال علماؤنا: الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان، لا التلفظ باللسان. فأما من قال بلسانه: أستغفر الله، وقلبه مصر على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار، وصغيرته لاحقة بالكبائر، وروي عن الحسن البصري أنه قال: استغفارنا يحتاج إلى استغفار.
ثم قال الإمام القرطبي رحمه الله: هذا يقوله في زمانه، فكيف في زماننا هذا الذي يرى فيه الإنسان مكبا على الظلم! حريصا عليه لا يقلع، والسُّبْحة في يده زاعما أنه يستغفر الله من ذنبه وذلك استهزاء منه واستخفاف، وفي التنزيل {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً} (البقرة: 231).
 
4-أن الله عز وجل يغفر لمن استغفر:
 ومن فضائل الاستغفار أن الله عز وجل يغفر لمن استغفره قال تعالى:{ وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا } (النساء: 110).
 
5- الاستغفار يجلب الخيرات والبركات ويدفع البلاء:
ومن فضائل الاستغفار أنه يجلب الخيرات والبركات للعبد ويدفع عنه البلاء يقول الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12) مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)} (نوح: 10- 14).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} أي: ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه وتوبوا إليه من قريب، فإنه من تاب إليه تاب عليه. 

6-الاستغفار من موجبات رحمته سبحانه وتعالى:
من فضائل الاستغفار أنه من موجبات رحمته تعالى، قال جل وعلا:{لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (النمل: 46).
 
7- الاستغفار يجلب القوة والخير:
ومن فضائل الاستغفار أنه من الوسائل الجالبة للخير العميم والمتاع الحسن خاصة عند اقترانه بالتوبة، يقول اللّه تبارك وتعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} (هود:4).
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: هذه الآية الكريمة تدل على أن الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى من الذنوب سبب لأن يمتع الله من فعل ذلك متاعاً حسناً إلى أجل مسمى؛ لأنه رتب ذلك على الاستغفار والتوبة ترتيب الجزاء على شرطه.
والظاهر أن المراد بالمتاع الحسن: سعة الرزق، ورغد العيش، والعافية في الدنيا، وأن المراد بالأجل المسمى: الموت.
 

الاستغفار فى السنة النبوية:
- (قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). 

- (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة) (رواه مسلم).
- (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة) (رواه البخاري).

- (من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب) (رواه ابن ماجة فى سننه والحاكم في المستدرك وضعفه الألباني).

- (طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا) (رواه ابن ماجة فى سننه، وصححه الألباني).

- وعن عكرمة رضى الله عنه قال: قال أبو هريرة رضى الله عنه: إني لأستغفر الله عز وجل وأتوب إليه كل يوم اثني عشر ألف مرة، وذلك على قدر ديتي"(مصنف ابن أبي شيبة).

من آثار السلف فى الاستغفار
قال قتادة رحمه الله: "إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم: فالذنوب، وأما دواؤكم: فالاستغفار".
وعن الحسن البصري قال: " أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم، أينما كنتم فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة. 
 
فوائد الاستغفار
1- الاستغفار يجلب الغيث المدرار للمستغفرين ويجعل لهم جنّات ويجعل لهم أنهارا.
2- الاستغفار سبب في الرّزق من الأموال والبنين.
3- تسهيل الطّاعات، وكثرة الدّعاء، وتيسير الرّزق.
4- المستغفر تصغر الدّنيا في قلبه.
5- المستغفر يجد حلاوة الإيمان والطّاعة.
6- ذهاب الهمّ والغمّ والحزن.
7- إقبال اللّه على المستغفر وفرحه بتوبته.
8- وإذا مات تلقّته الملائكة بالبشرى من ربّه.
9- تحقيق طهارة الفرد والمجتمع من الأفعال السّيّئة.
10- دعاء حملة عرش ربّنا الكريم له.