" وفاء النبوة "
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين
وبعد : فمن يريد الكمال الأسمى والمثل البشري الأعلى فإن بحر ذلك المنهمر ومعينه الرقراق شمائل النبي صلى الله عليه وسلم فقد ردمت الهوة بين القول والفعل والتأم فيها الواقع بالمثال وهي جديرة بأن تكون مصدر العلم والتزكية فقد جعلها الله الترجمة العملية لمواثيقه ووصاياة وارتضاه الأسوة الحسنة لمن يبتغي رضاه
وأقف اليوم مع خلق من هذه الشمائل العظيمة نرى فيه أدب هذا النبي الكريم الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه ألا وهو وفاء النبي صلى الله عليه وسلم
والموضوع ثري غني لكني أختصر على طرف منه يسير لعله يحرك كوامن الكمال في نفوسنا حتى نرتقي مكارم الأخلاق لعلنا نسعى بذلك إلى القرب من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة حيث أقرب المنازل منازل أهل الأخلاق الحسنة كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم
" وفاؤه لخديجة رضي الله عنها "
كانت خديجة امرأة من أكمل النساء مَنً الله عليها بمحمد صلى الله عليه وسلم ومَن على محمد صلى الله عليه وسلم بها
فعاشت معه أحلك ظروف حياتة صدر البعثة المباركة وأغلب العهد المكي فصدقته وثبتته وواسته وكفاها من ذلك لحظات الوحي الأولى وما تعاملت به من حصافة رأي ورجاحة عقل
وثبات أمام فجأة الوحي الغريب عليها وعلى قومها وما سعت إليه من تأمين روع النبي صلى الله عليه حين جاءها وقد خشي على نفسه
وقد أصيب النبي صلى الله عليه وسلم بوفاتها لكنه لم يصب في الوفاء لها وأعظم الوفاء الوفاء للأموات الذين لا ترجى مكافأتهم ولا مدحهم ولا تخشى مذمتهم ولاقدحهم
وقد تغيرت حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعدها فانتقل من غربة الدين واستضعافه إلى عزته وتمكينه وتزوج نساء كثيرات ودخل الناس في دينه افواجا واستبقت الوفود إليه وما تغير وفاؤه لخديحة رضي الله عنها بل ظلت الغائب الحاضر في حياته الميت الحي في معاملته من القليل في وصف حاله معها إنشاد قول الشاعر :
أَبلِغ أَخانا تَوَلّى اللَهُ صُحبَتَهُ * أَنّي وَإِن كُنتُ لا أَلقاهُ أَلقاهُ
وَأَنَّ طَرفِيَ مَوصولٌ بِرُؤيَتِهِ * وَإِن تَباعَدَ عَن مَثوايَ مَثواه
ومن أعظم مظاهر الوفاء دوام الذكر ولزوم رفع شأن المذكور كلما
عرض ذكره أو لم يعرض وكان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك وأكثر مع أمنا خديجة رضي الله عنها خصوصا مع عائشة التي قد يظن الظان أنها أنست خديجة أو قد تٌجامل فيها فعائشة رضي الله تعالى عنها البكر الوحيد التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وكانت من أكمل النساء خَلقا وخُلقا وهي مع ذلك ابنة الصديق رضي الله عنه ومع ذلك كله كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يجاملها ولا يتقي غيرتها حين يتعلق الأمر بالوفاء لخديجة رضي الله عنها وهذا طرف من ذلك
أ _ " إنها كانت وكانت "
عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( ما غِرْتُ علَى أحَدٍ مِن نِسَاءِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ما غِرْتُ علَى خَدِيجَةَ، وما رَأَيْتُهَا، ولَكِنْ كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، ورُبَّما ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا في صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّما قُلتُ له: كَأنَّهُ لَمْ يَكُنْ في الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إلَّا خَدِيجَةُ، فيَقولُ إنَّهَا كَانَتْ، وكَانَتْ، وكانَ لي منها ولَدٌ. متفق عليه
فحين تشتد غيرة عائشة وتقول ( كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة ) لا تجد من النبي صلى الله عليه وسلم تهدئة ولا إطفاء لغيرتها بل يواجهها بقوله : ( إنها كانت وكانت ) وما أعظم وقع هذه الكلمة الوجدانية وجلجلتها البلاغية
ولا يقتصر الأمر على ثناء اللسان بل يصحبه السلوك العملي من ذبح الشاة وقسمها في صدائق خديجة وكأن خديجة تقوم بالعمل في حياتها فكان يخلفها صلى الله عليه وسلم في كل ذي صلة بها ونعم الخلف هو بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِالشَّيْءِ يَقُولُ: ((اذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلَانَةٍ؛ فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةَ خَدِيجَةَ، اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَيْتِ فُلَانَةٍ؛ فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةَ)) رواه البخاري في الأدب المفرد وغيره
ب _من ذكريات خديجة :
( عن عَائِشَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قَالَتْ : " لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أُسَرَائِهِمْ ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَالٍ ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلادَةٍ لَهَا كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ ، حِينَ بَنَى عَلَيْهَا . قَالَتْ : فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً ، وَقَالَ : إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا فَافْعَلُوا . فَقَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَطْلَقُوهُ ، وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا ) رواه أحمد وأبو داوود والترمذي وغيرهم
كانت هذه القلادة جهزت بها خديجة ابنتها زينب رضوان الله عليهما فلما رءاها النبي صلى الله عليه تذكر خديجة فبثت بثه وبعثت حزنه ورق لذلك رقة شديدة
ج _( كانت تأتينا زمن خديجة )
عن عائشة قالت : جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه و سلم و هو عندي فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أنت ؟ قالت : أنا جثامة المزنية فقال : بل أنت حسانة المزنية كيف أنتم ؟كيف حالكم ؟كيف كنتم بعدنا ؟ قالت : بخير بأبي أنت و أمي يا رسول الله فلما خرجت قلت : يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال ؟ فقال : إنها كانت تأتينا زمن خديجة و إن حسن العهد من الإيمان
رواه الحاكم في المستدرك وقال
" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ." ووافقه الذهبي وذكره الألباني في الصحيحة
ما أعظمها من كلمة ( إنها كانت تأتينا زمن خديجة ) يكفي المرأة لتأخذ مكانتها وتنال حفاوتها في قلب الوفي محمد صلى الله عليه وسلم أن ترتبط بأيام خديجة وأزمان خديجة وعهد خديحة وتكون من صدائق خديجة إن علاقتها بخديجة ورابطتها بخديجة فسحت لها في قلب محمد صلى الله عليه ورفعتها عنده مكانا عليا فياسعد صدائق خديجة ما أعظم حظكن وأجل قدركن وما أبرك صاحبتكن وتأمل إطناب النبي صلى الله عليه في سؤال المرأة ومدى الاعتناء فيه
( كيف أنتم كيف حالكم كيف كنتم بعدنا ) صلوات ربي وسلامه عليه
د _ إكرام أهلها وقرابتها عن عائشة رضي الله عنها قال :
( استأذت هالة أخت خَدِيجَةَ، علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاعَ لذلكَ، فَقالَ: اللَّهُمَّ هَالَةَ. قالَتْ: فَغِرْتُ، فَقُلتُ: ما تَذْكُرُ مِن عَجُوزٍ مِن عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ في الدَّهْرِ، قدْ أبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا منها . البخاري ومسلم
وانظر إلى هذه الجملة :
( فعرف استئذان خديجة فارتاع لها فقال : اللهم هالة )
لا حول ولاقوة إلا بالله العظيم حين يسمع صوت هالة يتذكر خديحة فيرتاع الوفي صلى الله عليه وسلم وينادي : اللهم هالة
وأي شجون أبلغ من هذا وأي عاطفة أصدق من هذا وأي تودد لأخت خديجة أعظم من هذا
وفاؤه صلى الله عليه وسلم للصديق
كان أبو بكر رضي الله عنه ممن سبق الناس في كلما يتعلق بالنبي صلى الله عليه كان نعم الوزير في الحياة وكان نعم الخليفة بعد الممات وظل النبي صلى الله عليه وسلم وفيا لتلك المنزلة رافعا لتلك الدرجة ويشيع ذلك في صحابته الكرام وهذا نزر يسير من ذلك
( فهل أنتم تاركوا لي صاحبي )
_ كَانَتْ بيْنَ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ، فأغْضَبَ أبو بَكْرٍ عُمَرَ فَانْصَرَفَ عنْه عُمَرُ مُغْضَبًا، فَاتَّبَعَهُ أبو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أنْ يَسْتَغْفِرَ له، فَلَمْ يَفْعَلْ حتَّى أغْلَقَ بَابَهُ في وجْهِهِ، فأقْبَلَ أبو بَكْرٍ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ أبو الدَّرْدَاءِ ونَحْنُ عِنْدَهُ: فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَّا صَاحِبُكُمْ هذا فقَدْ غَامَرَ قالَ:
ثُمَّ إنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فأتَى مَنْزِلَ أبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أثَّمَ أبو بَكْرٍ؟ فَقالوا: لَا، فأتَى إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وجْهُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَمَعَّرُ، حتَّى أشْفَقَ أبو بَكْرٍ، فَجَثَا علَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، واللَّهِ أنَا كُنْتُ أظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ فَقُلتُمْ كَذَبْتَ، وقَالَ أبو بَكْرٍ صَدَقَ، ووَاسَانِي بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَهلْ أنتُمْ تَارِكُوا لي صَاحِبِي مَرَّتَيْنِ، فَما أُوذِيَ بَعْدَهَا.
وأي كلمة أبلغ في الوفاء والإشادة بالصديق والعرفان لجميل الرفيق من كلمة الوفي صلى الله عليه وسلم هذه :
( فهل أنتم تاركوا لي صاحبي فهل أنتم تاركوا لي صاحبي ) ، وأي رفعة لأبي أعظم وقد عملت الكلمة عملها في الصحب الكريمة وعرفوا لأبي هذا الحمى النبوي العظيم ( فما أوذي أبو بكر بعدها )
تلك المكارم لا قعبان من لبن ،،،،،
وفي بعض ألفاظ هذا الحديث أن أبابكر قال عن عمر فسألته أن يغفر لي فأبى فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( يغفر الله لك يا أبابكر يغفر الله لك يا أبابكر ) مرتين أوثلاثا
_ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ما لِأَحدٍ عندَنَا يَدٌ إلَّا وقَدْ كافأناهُ ، ما خلَا أبا بكرٍ ، فإِنَّ لَهُ عِندنَا يَدًا يُكافِئُهُ اللهُ بِها يَومَ القيامَةِ ، ومَا نفَعَنِي مَالُ أحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعِني مالُ أبي بِكْرٍ ، ولَوْ كنتُ متخِذًا خَلِيلًا ، لاتخذْتُ أبا بكرٍ خلِيلًا ، أَلَا وَإِنَّ صاحبَكُمْ خليلُ اللهِ ) رواه الترمذي وصححه الألباني
انظروا إلى هذا الثناء وهذا العرفان من الوفي محمد صلى الله عليه وسلم ( ما من صاحب يد _أي نعمة وإحسان _ له عندنا يد إلا كافأناه عليها ) ، وأي مكافأة أعظم من هذا وغيره كثير ولكنه الوفاء الذي ينسى فيه القلب الكبير مننه العظيمة وهو يثني على أبي بكر ثم يردف هذا الثناء بتلك البشارة العظيمة ( يكافئه الله بها يوم القيامة ) ،وأي مكافأة أعظم من جزاء الله تعالى الشكور الودود
ثم يعود صلوات الله وسلامه عليه إلى مدح أبي بكر والعرفان له
( وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر )
ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث أنه كان في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم فكان من آخر خطبه
وفي بعضها :
( سدوا هذه الأبواب كلها إلا باب أبي بكر ) وذلك أنه كانت في المسجد أبواب فرعية لبعض الصحابة تقابل بيوتهم يدخلون منها فأمر النبي صلى الله عليه بإغلاقها إلاباب أبي بكر ولا تزال خوخة أبي بكر مكتوب عليها في المسجد والباب المقابل لها من التوسعة مسمى باسمه قرب باب السلام
وأورد البخاري في صحيحه هذا الحديث بلفظ : إنَّ مِن أمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ ومالِهِ أبا بَكْرٍ، ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِن أُمَّتي لاتَّخَذْتُ أبا بَكْرٍ، إلَّا خُلَّةَ الإسْلامِ، لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إلَّا خَوْخَةُ أبِي بَكْرٍ.
مع الأنصار
من المعروف دور الأنصار في إيواء المهاجرين واستقبال رسول الإسلام ودينه وتحمل ما يترتب على ذلك وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف لهم ذلك ويفي لهم صلوات الله وسلامه عليه على أكمل وجه ، وشواهد ذلك وأبره وأكتفي هنا بحادثة وقعت يوم فتح مكة فقد أشفقت الأنصار من أن يجلس النبي صلى الله عليه وسلم في مكة بعد الفتح وتستوحش منه المدينة
((فقال بعضهم لبعض أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قال أبو هريرة وجاء الوحي وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي فلما انقضى الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله قال قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قرابته قالوا قد كان ذاك قال كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم والمحيا محياكم والممات مماتكم فأقبلوا إليه يبكون ويقولون والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله وبرسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم . رواه مسلم
انظروا هذه الكلمة الوفية الندية ( المحيا محياكم والممات مماتكم )
ومثلها قالها قبل ذلك يوم حنين ( أما ترضون أن يعود الناس بالشاة والبعير وتعودون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دياركم ) ( لو سلك الناس شعبا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار الناس دثار والأنصار شعار )
ثم انظروا إلى قبول الاعتذار بأجمل وألطف عبارة ( إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم )
وكان صلى الله عليه وسلم يخص أم سليم بنت حرام بتعهد بيتها والجلوس فتسأله عائشة رضي الله عنها فيقول : ( قتل أخوها معي ) والمقصود بأخيها عبد الله بن حرام الذي استشهد يوم وخلف وراءه نساءه من بنات وأخوات ولم يثقله ذلك عن الجهاد فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف له ذلك بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه
وغير ذلك كثير كثير كثير
مع الأعداء
الوفاء مع الأهلين يقع في الناس مع تفاوت لكن الوفاء مع الاعداء وعدم التضحية بالمبدإ مقابل النيل من العدو أمر عزيز كان لذي الخلق العظيم منه الحظ الموفور
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال ما منعنى أن أشهد بدرا إلا أنى خرجت أنا وأبى - حسيل - قال فأخذنا كفار قريش قالوا إنكم تريدون محمدا فقلنا ما نريده ما نريد إلا المدينة. فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر فقال « انصرفا نفى لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم ». رواه مسلم
وقعت هذه القصة يوم بدر والنبي صلى الله عليه وسلم أحوج ما يكون إلى زيادة جيشه الذي يواجه ثلاثة أمثاله من المشركين وهو صلوات الله وسلامه عليه لم يتول العهد بنفسه ولكن الوفي صلى الله عليه وسلم لم يثنه ذلك كله وقال هذه الكلمة العظيمة ( نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم ) وهي كلمة نبوية عميقة الدلالة موغلة في معرفة الله تعالى وحسن الوفاء للعباد
وقد عاهد النبي صلى الله عليه وسلم أعداءه مرات كثيرات فما عرفوا منه إلا الوفاء ولا أخذوا عليه غدرا أبدا كما شهد بذلك أبو سفيان رضي الله عنه عند هرقل وهو لا يزال يحمل راية العداء له واعتبر هرقل ذلك من دلائل النبوة فقال ( وكذلك الرسل لا تغدر )
وقد عاهد النبي صلى الله عليه وسلم طوائف اليهود الثلاثة بالمدينة فخانت الطوائف الواحدة تلو الأخرى ولم ينقض صلى الله عليه وسلم مرة واحدة ولم يتعذر بنقض طائفة لينقض عهد أخرى
وعاهد قريش بالحديبية فنقضوا وحفظ صلوات الله وسلامه عليه وعلمه الله تعالى إذا خاف الخيانة أن يرد العهد إلى صاحبه ويعلمه بذلك ولا يغدر أو يخون قال تعالى :
( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين )
ما أحوج المسلمين أن يُعرٍفوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يتركوا التعريف به لتشويه أعدائه من الكافرين أو سوء حال أتباعه من المسلمين الذي غدوا فتانين عن الإسلام مظهرين له على غير جمال ولا كمال فكانوا جزءا من بلائه وعنائه
وبذلك حرمت البشرية من رسالته وهي أحوج ما تكون إليها
نسأل الله أن يهيئ لنا وللمسلمين من أمرنا وينفعنا ويرفعنا بمحمد صلى الله عليه وسلم