تابعونا على :

‏مشايخ ودعاة ‏

الحضور في الصلاة بقلم / محمد الأمين بن الشيخ بن مزيد

أحد, 06/24/2018 - 07:46

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ورضي الله عن الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد 
فقد أمر الله عز وجل بإقامة الصلاة في آيات كثيرة من القرآن ومعنى إقامة الصلاة الإتيان بها على أكمل وجه وذلك بإتمام ركوعها وسجودها وبالخشوع فيها  والحضور فيها وبالمحافظة على أوقاتها وبأدائها في الجماعة فأنت بهذا تكون مقيما للصلاة ومن أهم ما يهتم به المسلم في هذا المجال  أن يكون حاضرا فيها ، ذلك أن  المصلي يناجي ربه والمناجاة تقتضي حضور القلب فالغافل لا يناجي وشارد الذهن  عند ما يقول رب اغفر لي لا يعتبر داعيا فأول مقتضيات المناجاة أن تفهم ما تقول .وتدبّرْ قول الله عز وجل (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )
فلا بد أن تعلم ما تقول فإذا سكر الإنسان بالهموم الدنيوية حتى صار لا يفهم ما يقول 
فقد تناوله معنى الآية وإشارتها .: " وكم من مصل لم يشرب خمرا وهو لا يعلم ما يقول في صلاته ." كما يقول الإمام  الغزالي في إحياء علوم الدين
والمقصود من القراءة والأذكار الحمدُ والثناءُ والتضرع والدعاء ، والغافلُ لا يوصف بشيء من ذلك ،فلا بد من الحضور في الصلاة فعن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه  صلى ركعتين فقال له عبد الرحمن بن الحرث يا أبا اليقظان لا أراك الا قد خففتهما قال هل نقصت من حدودها  شيئا ؟قال لا ولكن خففتهما قال إنى بادرت بهما السهو إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الرجل ليصلى ولعله أن لا يكون له من صلاته إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها حتى انتهى إلى آخر العدد رواه الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه
فلا بد أن يبذل المسلم جهده 
وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة ثلاثا ثلاثا ثم قال : " من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه .متفق عليه 
فعلى المصلي أن يجاهد نفسه حتى لا تفوته هذه الفضيلة العظيمة 
وقد فرق العلماء بين الخواطر العابرة التي تهجم على المصلى فجأة ويتعذر ردها والحديث النفسي المستقر المسترسل الذي ربما لا ينتبه صاحبه  إلا ما عند ما يقول الإمام السلام عليكم ورحمة الها وبركاته .
ولعل من حكمة النوافل قبل الصلاة المكتوبة أنها فرصة للتدريب على الحضور في الصلاة والخشوع فيها فإذا كان هناك خلل ولا بد فليكن في  النافلة لا في الفريضة .
ومن أجل الحضور في الصلاة والخشوع فيها والإقبال عليها جاءت الأحاديث تأمر بتقديم الأكل على الصلاة وتقديم قضاء الحاجة عليها 
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان ».رواه مسلم .
وقد قال الفقهاء : إن كل أمر يشغلك الفكر فيه عن الصلاة  ينبغي أن تتخلص منه قبل الصلاة وتقدمه عليها ما دام الوقت متسعا , فمن كان متعبا استراح ثم صلى وهكذا . وإلى هذا أشار محمد مولود بن أحمد فال بقوله :
وتكره الصلاة ما القلب اشتغل   بما زواله بوقت ذو أمل 
مثل مدافــــــــــــــــــــــــــــــــعة الاخبثين              وكصدى وسغب وأين 
وقد جاء التحذير من الالتفات في الصلاةقال أنس بن مالك قال لى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « يا بنى إياك والالتفات فى الصلاة فإن الالتفات فى الصلاة هلكة فإن كان لا بد ففى التطوع لا فى الفريضة ». رواه الترمذي وقال " هذا حديث حسن صحيح."
" وكما تجب حراسة الرأس والعين عن الالتفات إلى الجهات فكذلك تجب حراسة السر عن الالتفات إلى غير الصلاة . " كما يقول الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين
وقد قال الغزالي إن المسلم مطالب بأن " يراعي معنى الصدق في ألفاظه التى يناجي بها ربه كقوله وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض فإن قلبه إن كان منصرفا عن الله تعالى مشغولا بأماني الدنيا وشهواته فهو كاذب ."

وقد شرح الغزالي في إحياء علوم الدين بالتفصيل ما ينبغي أن يحضر في قلب المصلي عند كل عمل من أعمال الصلاة ومما قال رحمه الله تعالى :  
 "وأما الركوع والسجود فالمقصود بهما التعظيم قطعا ولو جاز أن يكون معظما لله عز و جل بفعله وهو غافل عنه لجاز أن يكون معظما لصنم موضوع بين يديه وهو غافل عنه أو يكون معظما للحائط الذي بين يديه وهو غافل عنه وإذا خرج عن كونه تعظيما لم يبق إلا مجرد حركة الظهر والرأس وليس فيه من المشقة ما يقصد الامتحان به ثم يجعله عماد الدين والفاصل بين الكفر والإسلام ويقدم على الحج وسائر العبادات ويجب القتل بسبب تركه على الخصوص وما أرى أن هذه العظمة كلها للصلاة من حيث أعمالها الظاهرة إلا أن يضاف إليها مقصود المناجاة فإن ذلك يتقدم على الصوم والزكاة والحج وغيره بل الضحايا والقرابين التي هي مجاهدة للنفس بتنقيص المال قال الله تعالى ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) أي الصفة التي استولت على القلب حتى حملته على امتثال الأوامر هي المطلوبة فكيف الأمر في الصلاة  ...... قال الغزالي 
 فإن قلت إن حكمت ببطلان الصلاة وجعلت حضور القلب شرطا في صحتها خالفت إجماع الفقهاء فإنهم لم يشترطوا إلا حضور القلب عند التكبير فاعلم أنه قد تقدم في كتاب العلم أن الفقهاء لا يتصرفون في الباطن ولا يشقون عن القلوب ولا في طريق الآخرة بل يبنون أحكام الدين على ظاهر أعمال الجوارح وظاهر الأعمال كاف لسقوط القتل وتعزير السلطان فأما أنه ينفع في الآخرة فليس هذا من حدود الفقه  ....."
راجع كتاب أسرار الصلاة ومهماتها  من إحياء علوم الدين .
والله الموفق

شارك المادة