تابعونا على :

‏مشايخ ودعاة ‏

مشروع خطوط عريضة في الإصلاح الإسلامي يصلح مبادئ جامعة بقلم / محمد الأمين بن الشيخ بن مزيد

أحد, 06/24/2018 - 07:48

قال الله عز وجل
(شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ورضي الله عن الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد فقد كثرت النصوص التي تدعو إلى طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإلى الاعتصام بحبل الله والاستمساك بالوحي ، واتباع الشرع المنزل ، والاستقامة على الأمر، والحكم بما أنزل الله .
كما كثرت النصوص الدالة على أُخُوة المؤمنين (إنما المؤمنون إخوة )وعلى حقوق هذه الأخوة ومقتضياتها ، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضها بعضا ، والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ، ولا يؤمن المؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، والمؤمنون (رحماء بينهم ).
وقد كثرت النصوص الناهيه عن مناقضات هذه الأخوة ،  فحرم الله التجسس والغيبة والنميمة وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من التباغض و التدابر ،  وغير ذلك مما يناقض الأخوة . وحذرت النصوص من التنازع والتفرق ، وبينت العواقب السيئة لذلك (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم)  (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )
وذم الله أصحاب مسجد الضرار وبين أن من أهداف  مسجدهم  التفريق بين المؤمنين (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل)
وروى ابن حبان في صحيحه عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والقيام ؟ ) قالوا : بلى يا رسول الله قال : ( إصلاح ذات البين وفساد ذات البين هي الحالقة )

وفي سنن الترمذي عن  الزبير بن العوام حدثه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : دب إليكم داء الأمم الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بما يثبت ذاكم لكم ؟ أفشوا السلام بينكم   قال الترمذي : " هذا حديث صحيح ."
ودلت تجارب التاريخ أن المؤمنين إذا أطاعوا ما أمرهم الله به فوحدوا كلمتهم ،ورصوا صفوفهم واعتصموا بحبل الله صاروا قوة قادرة على نصرة الحق وإقامة العدل ، وتحكيم الشرع ، وتحقيق مقاصد الشريعة .وفي ذلك يقول أبو محمد على بن حزم الظاهري في كتابه الفِصَل في الملل والنحل : " لو اجتمع أهل الحق ما قواهم أهل الباطل . "
وإذا خالفوا ما أمرهم الله به فتفرقوا شيعا وأحزابا (كل حزب بما لديهم فرحون ) وتباغضوا وتدابروا ، وتعصب كل فريق منهم لطائفته ، تعصُّب الجاهلية ، ضعفوا وهانوا وعجزوا عن نصرة الحق ، وإقامة الشرع فتحكم فيهم أهل الباطل وذاقوا وبال ما كسبت أيديهم في الدنيا قبل الآخرة .
وقد دلت التجارب أن الاتحاد قوة ، وأن التفرق ضعف وقد أحسن الشاعر الذي قال
كونوا جميعا يا بَنِيَّ إذا انْبَرى     خَطْبٌ ولا تَتَفرَّقوا أفْرادا
تأْبَى العِصَيُّ إذا اجتمعْن تَكسُّرا     وإذا افْتَرقْنْ تكسَّرتْ آحَادا
وأحسن من قال
أخاك أخاك إن من لا أخا له    كساع إلى الهيجا بغير سلاح
ومع كل ذلك فمن أعظم ماابتلي به المسلمون  تفرقهم وتنازعهم واختلافهم ، حتى كاد ينطبق على بعضهم ما وصف الله به أعداءهم حيث قال
(بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى )
قال صاحب التحرير والتنوير : "وفي الآية تربية للمسلمين ليحذروا من التخالف والتدابر ويعلموا أن الأمة لا تكون ذات بأس على أعدائها إلا إذا كانت متفقةَ الضمائر يرون رأيا متماثلا في أصول مصالحهم المشتركة، وإن اختلفت في خصوصياتها التي لا تنقض أصول مصالحها، ولا تفرق جامعتها، وأنه لا يكفي في الاتحاد توافق الأقوال ولا التوافق على الأغراض ، إلا أن تكون الضمائر خالصة من الإحن والعداوات."
إن المسلمين الآن يتفرقون لأتفه الأسباب ويضيعون المصالح الكبيرة من أجل تحصيل مصالح صغيرة ، ويرتكبون المفاسد الكبيرة من أجل تفادي مفاسد صغيرة ، بعكس ما دلت عليه قواعد الشرع التي دلت عليها النصوص الصحيحة الصريحة التي تدعوا إلى تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ، وارتكاب أخف المفسدتين لتفادي أشدهما .
وقد شاهد الناس في الوقت الحاضر أضرار هذا التنازع والتفرق والاختلاف ، والسعيدُ من وعظ بغيره ، فهل يمكن أن نستفيد من عبر التاريخ وعبر الحاضر ، ونعمل من أجل تجنيب المسلمين في هذه البلاد الكوارث التي وقع فيها غيرهم ، وذلك بالسعي الجاد إلى توحيد الكلمة والاتفاق على أمور أساسية نسعى جميعا لتحقيقها ؟
إن توحيد الكلمة يقتضي تطبيق مقولة ابن تيمية : "  قد يقترن بالحسنات سيئات إما مغفورة أو غير مغفورة وقد يتعذر أو يتعسر على السالك سلوك الطريق المشروعة المحضة إلا بنوع من المحدث ، لعدم القائم بالطريق المشروعة علما وعملا . فإذا لم يحصل النور الصافي بأن لم يوجد إلا النور الذي ليس بصاف وإلا بقي الإنسان في الظلمة فلا ينبغي أن يعيب الرجل وينهى عن نور فيه ظلمة . إلا إذا حصل نور لا ظلمة فيه وإلا فكم ممن عدل عن ذلك يخرج عن النور بالكلية إذا خرج غيره عن ذلك ؛ لما رآه في طرق الناس من الظلمة . "
كما يقتضي تطبيق مقولة المنار : نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا   بعضا فيما اختلفنا فيه ) ونضيف (من المسائل الاجتهادية ) حتى لا يبقى لبس في الموضوع ؟ إن الأمر ممكن إن شاء الله إذا صدقت النيات وقد قال الله عز وجل في الحكمين (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما . )
وهذه مقترحات في الإصلاح الإسلامي إذا اتفق عليها الجميع وتعاونوا على تحقيقها في الواقع كانوا قد أدوا بعض الواجب من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم ، وبعض الواجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبعض الواجب من التعاون على البر والتقوى واستطاعوا أن يحققوا مجتمعين ما لم يستطيعوا تحقيقه متفرقين .

وقد قدمت هذه المقترحات في خطوط عريضة قابلة للزيادة والنقصان فالأهم أن تكون هناك مبادئ يتفق عليها العاملون للإسلام في هذه البلاد ويسعون إلى تحقيقها والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
1. الدعوة إلى تعظيم حرمات  الله وتعظيم شعائر الله ( ذلك  ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ) ( ذلك ومن يعظم شعائر الله  فإنها من تقوى القلوب ) والوقوف بحزم في وحه المستهزئين والمسيئين والعابثين (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد.إيمانكم )
2. والدعوة إلى تحكيم شرع الله في كل صغير وكبير وحقير وجليل (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) وتطبيق الحدود الشريعة المعطلة فلا يجوز تعطيل حدود الله الثابتة بالنصوص الشرعية وإحلال العقوبات الوضعية محلها (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) وقد ترتب على تعطيل الحدود الشرعية انتشار الجرائم التي وصلت في هذه الأيام إلى حد مقلق فقد تزايدت عصابات الجريمة المنظمة  ، وكثر السطو المسلح ، وشاعت الحِرابة ، وشعر المواطنون بعدم الأمن ، ولا حل إلا بالعودة إلى الإسلام عقيدة وشريعة والعودة إلى تطبيق الحدود الشرعية ( ولكم في القصاص حياة )
( حد يعمل به فى الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا . ) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه قال الألباني حسن لغيره .
3. الدعوة إلى إصلاح المنظومة القانونية من خلال :
• إضافة مادة للدستور تنص بصراحة على بطلان كل تشريع أو قانون أو نظام أو قرار  يخالف الشريعة الإسلامية
• مراجعة جميع القوانين في البلاد وتنقيتها مما يخالف الشريعة الإسلامية وخاصة القوانين المدنية والتجارية ،  وإكمال الناقص منها ، وتطبيق ما نصت عليه القوانين المحلية مما هو موافق للشريعة الإسلامية .
4. إصلاح النظام التعليمي ليخرج كوادر أهل كفاءة وأمانة ومن أساسيات  الإصلاح :

• إحلال مادة التربية الإسلامية المكانة اللائقة بها وقتا وضاربا واهتماما بتكوين المدرسين علميا وتربويا .وإدراجها في جميع المؤسسات التعليمية المدنية والعسكرية .
• إعطاء اللغة العربية المكانة اللائقة بها في المناهج التعليمية وتدريس المواد العلمية بها ، واعتمادها عمليا في جميع مؤسسات الدولة .
• الفصل بين الطلاب والطالبات في جميع المراحل التعليمية ففي بلادنا اختلاط بين الطلاب والطالبات في المدارس نشأ عن تقليد الكفار فلما كانت المدارسُ والجامعاتُ عندهم مختلطةً  ورعاية ُالأخلاق عندهم ضعيفة قلدناهم فصارت المؤسسات التعليمية عندنا مختلطةً اختلاطا فاضحا ونشأ عن ذلك من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله ، وصار الجميعُ متعاونين على الإثم والعدوان تشترك في ذلك الإدارة والأهالي والساكتون على هذا المنكر المنافض لأوامر الشرع  .فكان من أهم مناحي الإصلاح المنشود الفصل بين الطلاب والطالبات في المدارس والجامعات ، وهي فكرة مطبقة في أكثر من دولة عربية وإسلامية .
• تشجيع الطلاب المتفوقين وتوفير فرص الدراسة المتخصصة لهم .
• و مع ذلك الاهتمام بالمدرسين وتوفير الرواتب المجزية لهم ليتفرغوا لمهمتهم النبيلة :
إن المعلم والطبيب كلاهما  لا ينصحان إذا هما لم يكرما
فاقنع بدائك إن جفوتَ طبيبه واقنع بجهلك إن جفوت معلما
5. القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  ، ودعوة السلطات وزراء وولاة وحكاما وعمدا إلى أداء الواجب في هذا المجال .
6. الدعوة إلى تعظيم أمر الصلاة وتكييف الأعمال مع أوقاتها  في كل الدوائر الحكومية واتباع سنة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي  كتب إلى عماله إن أهم أمركم عندى الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.رواه مالك في الموطإ
7. السعي إلى إحياء دور بلادنا  في نشر الثقافة الإسلامية واللغة العربية في القارة  الإفريقية وغيرها من القارات .
8. الدعوة إلى إيثار الفقراء في المال العام والعمل على توفير الصحة المجانية لهم والتعليم المجاني  ، والمواد الغذائية بالسعر المناسب ، والاهتمام بالضعفاء والمساكين ( هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم )
والعناية بإطعام الجائع .( أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني ) رواه البخاري.
9. السعي إلى إحلال قواعد الاقتصاد الإسلامي محل القيم والقواعد الرأسمالية ومن الأمور المهمة في هذا المجال :
السعي إلى سن قوانين تمنع استئثار الأغنياء بالمال العام وتمنع  أن  يكون المال العام (دولة بين الأغنياء ) وجعل الامتيازات للفقراء لا للأغنياء كما قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه  وهو يوصي مسؤول الحمىعن زيد بن أسلم عن أبيه
• : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى فقال يا هني اضمم جناحك عن المسلمين واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة وإياي ونعم بن عوف ونعم بن عفان فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه فيقول يا أمير المؤمنين ؟ أفتاركهم أنا لا أبا لك فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم إنها لبلادهم فقاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا رواه البخاري
• المحافظة على ثروات الأمة والدعوة إلى أن يكون التصرف فيها بناء على المصلحة تطبيقا للقاعدة الفقهية : تصرفات الإمام منوطة بالمصلحة .
• التعامل مع الشركات الأجنبية الراغبة في استخراج معادننا تعاملا رشيدا مبنيا على أن المصلحة العامة للأمة هي الأولى بالرعاية .
• المحافظة على الثروة البحرية والتعامل معها طبقا مصلحة الأمة .
• الاستفادة من الأراضي الخصبة في البلاد لتوفير ما يحتاج إليه المواطنون من حبوب وخضروات وفواكه.
• الدعوة إلى عزل السفهاء وأهل الفساد عن تسيير المال العام وتطبيق قول الله  عز وجل ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا )
• الدعوة إلى اعتماد معيار القوة والأمانة في تولي المناصب العامة .
• الدعوة إلى محاربة خيانة الأمانة التي تسمى الفساد الإداري ومحاربة الغلول الذي يعبر عنه باختلاس المال العام .
10. إصلاح القضاء وتنقيته من المفسدين والمرتشين وإعطاء القضاة ما يحقق لهم الكفاية ويبعدهم من الارتشاء ليقيم العدلَ في المجتمع ويفصلَ بين المتخاصمين .
11. الدعوة إلى الأخوة الإسلامية و نصر المظلوم ، وعون الضعيف ،وإغاثة الملهوف ، وإصلاح ذات البين ، وإكرام الجار ، وإنظار المعسر ، والوفاء بالعهد ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة
12. نشر الفهم الصحيح للإسلام ونشر التدين في المجتمع وتوسيع منسوبه كما وكيفا عبر التعليم والتوجيه والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ومواجهة أفكار وخطاب الغلو والتطرف ، وخطاب الإلحاد والتحلل .
وبالإمكان إثراء هذا المشروع بمبادئ تصلح جامعة للأمة

شارك المادة