بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على النبي الكريم
إلى عمد البلديات الجدد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد،
لقد استلمتم عملكم منذ أيام من سلفكم الذين غادروا مواقعهم بما كسبوا فيها من خير وشر، ورحلوا مخلِّفين وراءهم ما خلَّفوا من ثناء وقدح وحسنات وسيئات ، وجئتم بعدهم تسكنون مساكنهم وتجلسون على كراسيهم..
وهنا أدعوكم إلى انتهاز فرصة هذه الأيام التي ستقضونها في موقع العمدة ، لتعملوا أعمالا صالحة ، وتسنوا سننا حسنة ، يبقى لكم أجرها وأجر من عمل بها بعدكم ،وأذكّركم بأن بقاءكم في مواقعكم هذه حتى نهاية مأمورياتكم ليس مقطوعا به . وأدعوكم إلى الزهد في المال الحرام ، وأن تتعاملوا مع المال العام بتعفف وشرف ، وأن لا تخططوا للإثراء في هذه الأيام الوجيزة، فإن هذا التفكير سيفسد كل عملكم ، وسيجعل المشاريع التي تفكِّرون في إنجازها هي المشاريع التي تعود على أشخاصكم بالنفع ، وسيحصر علاقاتكم في الجهات التي تُدِرُّ العلاقاتُ معها – في نظركم - مالا . وسيجعل أبوابكم مغلقة باستمرار، وسيحول مكاتبكم إلى أوكار لتجارة المحرمات ،. إن هذا التفكير – باختصار- سيجعل تحركاتكم على حساب المصلحة العامة ، فإذا خطرت هذه الخواطر ببال أحدكم فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
إن بعض من كان قبلكم طافت بهم هذه الخواطر فولغوا في المال الحرام ، وباعوا آخرتهم بدنيا غيرهم ، وانضموا إلى عصابات همها الجمع والمنع ، وأقاموا علاقات حرامية ، فما شبعوا ولا ارتووا ولا استغنوا فإياكم أن تكونوا مثلهم .
فكِّروا في أن تُغنوا مواطنيكم وتوفروا لهم الضروريات والحاجيات والتحسينيات .
إن موقع العمدة فرصة للقيام بأعمال صالحة عظيمة تُدَّخر للمستقبل ، ومن هذه الأعمال الصالحة العظيمة خدمة الناس والسعي في مصالحهم والتيسير عليه وإماطة الأذى عن طرقهم المادية والمعنوية
وهنا أذكركم بحديث عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول في بيتي هذا (اللهم! من ولى من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه ومن ولى من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به). رواه مسلم
وبحديث ِ ابْنِ عُمَرَرضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ:
"أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَىَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَىَ بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَىَ مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". متفق عليه
وبحديث مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزَنِيَّ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". رواه مسلم
وبالأحاديث الكثيرة الواردة في فضل قضاء حاجات المسلمين ومساعدتهم ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )
وأذكِّر العمد الجدد الذين كانوا يتحدثون عن الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد ، أن عليهم واجبا كبيرا هو مطابقة أقوالهم لأعمالهم، ووفاؤهم بالعهود التي قطعوها على أنفسهم ، وأن لا يكونوا من الذين يقولون ما لا يفعلون فقد قال الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )
وأدعو هم إلى الاهتمام بالدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجدِّ في غرس القيم والأخلاق الفاضلة ، وتشكيلِ اللجان لهذا الغرض ، والاهتمامِ بالمساجد والمحاظر ، وتوثيقِ الصلة بالعلماء وأهل الصلاح والتقوى ، ومحاربة المنكرات والعادات السيئة المستوردة
وبعد هذه المقدمة أعرض مجموعة اقتراحات لا يمكن أن تغيب بالكلية عن بال العُمَد الجدد ، ولكن التذكير بها ينفع ولا يضر
وأول اقتراح هو حل مشكلة المراجعين
إن الإدارة في كثير من الأحيان تتعامل مع المواطن تعاملا فيه كثير من الاستهتار بحقوقه المادية والمعنوية وأجلى مظاهر هذا الاستهتار هو: طوابير المراجعين المنتظِرين أمام أبواب هؤلاء العابثين الذين يسمونهم "مسؤولين "
فأول اقتراح هو حل مشكلة المراجعين حلا جذريا ويمكن أن يتم ذلك بما يلي :
1- وجود مكتب استعلامات مهمته إرشاد المراجعين ودلالتهم على الجهات التي تتعلق بها معاملاتهم والأوراق المطلوبة لإنجاز تلك المعاملات .
2- احترام الأسبقية والتعامل مع المراجعين بعدالة ويساعد على ذلك تسليم المراجع رقما فور دخوله مبنى البلدية .
3- تسليم أي مُراجِع تم استلامُ معاملته وصْلا يتضمن تاريخا محدَّدا لإنجاز معاملته ، وإذا لم يتم إنجاز معاملته في التاريخ المحدد يتم الاتصال به وإعلامه حتى لا يتكبد عناء التنقل .
4- حضور العمد وسائر موظفي البلدية في الوقت المحدد .
5- توظيف كل نواب العمدة ، وتوزيع الملفات عليهم ما دامت كثافة العمل تتطلب ذلك
6- وجود مقاعد مريحة للمراجعين .
الاقتراح الثاني هو : جعل النظافة أولوية
والحديث عن أهمية النظافة وضرورة إعطائها الأولوية حديث مُعاد ، والحديث عن عجز الجهات المسؤولة عن القيام بواجبها في هذا المجال حديث مُعاد ، والمطلوب من العمد الجدد أن يبدؤوا عملهم بالنظافة المعنوية والنظافة المادية، والأمر بحاجة إلى سيارات وأدوات ، وعمال ورواتب مغرية للعاملين في هذا المجال ، وإرادة وإدارة وتعاون من السكان وتوعية وتثقيف وصرف للميزانية فيما خُصِّصت له وشرح ذلك يطول .
ويدخل في إطار النظافة : بناء مراحيض عمومية نظيفة تتوفر فيها المياه في مواقع مختلفة من البلدية فوجود هذه المراحيض شرط من شروط النظافة ،وشرط من شروط الصحة ،وشرط من شروط التمدن .
الاقتراح الثالث هو : الاهتمام بالضعفاء
فلا بد من الاهتمام بالضعفاء والفقراء والمساكين وتكريس الجهود لخدمتهم والرفق بهم وتيسير الأمور لهم فعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ رواه البخاري
وعن أبي الدَّرداءِ قال:
سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّم يقول: (ابغُوني في ضعفائِكُمْ فإنَّما ترزقُونَ وتُنصرونَ بضعفائِكُم) .رواه أبوداود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح .
والأمر الأول في ذلك : أن تسعى البلدية إلى توفير المواد الغذائية بأسعار معقولة حتى لو اقتضى الأمر أن يكون للبلدية محلاتها التجارية التي توفِّــر المواد الأساسية بأسعار في متناول القدرة الشرائية للسكان على سنة ( سونمكس ) أيام زمان ، أو أن تتعاون مع التجار المحسنين في هذا المجال .
ويندرج في هذا السياق مراقبة صلاحية المواد المعروضة للبيع ، وأضعف الإيمان في هذا المجال أن يهتم مسؤولو البلدية بقراءة التواريخ المكتوبة على المواد الغذائية ، و أن يمنعوا بيع المواد التي انتهى تاريخها والتي لا تاريخ لها ، و يلي ذلك الوقوف في وجه تورايخ الصلاحية المزورة ، ويلي ذلك أن يكون للبلدية مختبراتُـها وهي مرحلة متقدمة بحاجة إلى إرادة .
وفي هذا الإطار لا بد من وجود مسلخ نظيف تتوفر فيه الشروط الصحية ويعمل فيه العدد الكافي من الأطباء ، ويتوفر فيه الإرشاد الفقهي في مجال أحكام الذبح وآدابه .
الأمر الثاني : فيما يتعلق بالاهتمام بالفقراء والمساكين دعم العيادات الصحية وتوفير العلاج المجاني لمن يحتاجه ، وتوفير الأدوية غير المزوَّرة للسكان ، وفي هذا السياق لا بد من وجود سيارات إسعاف جاهزة للتحرك في أوقات الضرورة ويتأكد هذا الأمر في بلديات الداخل .
الأمر الثالث : توفير المياه الصالحة للشرب وبذل كل الجهود الممكنة في هذا السبيل لأن هذا من باب الضروريات التي يجب أن تسبق الحاجيات والتحسينيات .
الأمر الرابع : النقل وما يتعلق به من الطرق ، وما أجمل أن تكون هناك حافلات ( تحتفظ بمقاعدها الأصلية ) وتوفِّــر النقل للسكان في نطاق البلدية بأجور معقولة .
الاقتراح الرابع : التشاور مع السكان
لا بد من التواصل والتشاور المستمر مع السكان ، في جلب المصالح لهم ودرء المفاسد عنهم ، والتعاون على البر والتقوى معهم ، فالشورى ليست مرة كل خمس سنوات ، وإنما هي سلوك يومي يحافظ عليه المسلم كما يحافظ على إقام الصلاة والإنفاق والاستجابة لربه قال تعالى ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) هذا التواصل والتشاور يجعل المسؤولين في البلدية يعيشون معاناة مواطنيهم ، كما يجعلهم يستفيدون من الآراء القيمة التي يمتلكها هؤلاء السكان ، والتي يُــحْرَم منها دائما المستبِدون الذين لا يستشيرون ، كما أن هذا التواصل والتشاور يجعل السكان يتعاونون مع البلدية باقتناع .
الاقتراح الخامس : التشجير
من الحسن أن تهتم البلدية بتثبيت الرمال بواسطة الأحزمة الخضراء ، ومن الحسن أن تنشر البلدية في المجتمع ثقافة التشجير والزراعة ، وأن تبلغ السكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
(ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أُكِل منه له صدقة. وما سُرق له منه صدقة. وما أكل السبع منه فهو له صدقة. وما أكلت الطير فهو له صدقة. ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة). رواه مسلم عن جابر
ومن الحسن جدا أن تكون الأشجار مثمرة .
الاقتراح السادس : مكتبــة عامة
لا بد من إنشاء مكتبة عامة شاملة منتقاة في كل بلدية من بلديات الوطن يجد الباحثون فيها بغيتهم ، ويقضي الشباب فيها فراغهم ، ويتعود الأطفال فيها على عادة المطالعة والقراءة .
و في هذا المجال من المهم أن يكون للبلدية موقع ألكتروني يطلع من خلاله المواطنون بشفافية كاملة على أمور البلدية حتى على ميزانيتها وصفقاتها ، و تنشر فيه أخبارها التي هي أخبار السكان ، وتتواصل فيه مع المغتربين من أبناء البلديـــة ، و تعرض فيه إنجازاتها ،ليحصل التنافس الشريف بين مختلف بلديات الوطن .
الاقتراح السابع: لوحات بأسماء المواقع
من المهم أن تقوم البلديات في مختلف أنحاء البلاد بالتعرف على الأسماء القديمة لجميع المواقع آبارا وأودية ونجاد ووهادا إلى غير ذلك ، والاستعانة في ذلك بكبار السن ، والعارفين من البدو الرحَّل ، وتسجيل ذلك في لوحات ثابتة ، ثم تحويل ذلك إلى خرائط بين أيدي تلاميذ المدارس ، وبإمكان الباحثين بعد ذلك أن يدونوا ما يرتبط بهذه المواقع من التاريخ والأدب .
وقد كان الفرنسيون يهتمون بذلك ومن الطريف أن امحمد ولد أحمد يوره ألف كتابه ( إخبار الأخبار بأخبار الآبار ) بطلب من مساعد المندوب الفرنسي العام بموريتانيا الكوماندان كادن
كما أوضح ذلك في مقدمة الكتاب بقوله : " أمرني من لا يسعني إلا مساعدته ومساعفته ولا تليق بي مخالفته ومباعدته ... المقدم كماند كادين .... لا زال عونا للضعفاء وصونا للشرفاء ... أن أضع له كتابا في تعريب أسماء البربري من الآبار وما تعلق بذلك من الأخبار ... "
وبعد أخي العمدة فليس من المحال أن تحملك إنجازاتك في البلدية إلى رئاسة الجمهورية كما فعلت مع الطيب أوردغان وأحمدي نجاد .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .