الأثار القائدة
... المجتمع في كل حقبه إنما هو انعكاس لشخصيات المجموعة التي تقود جيل الناس في تلك الحقبة ، أكثر مما هو انعكاس للقوانين المسنونة التي يراد لها تنظيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية
إن المفاهيم والأخلاق والطباع توغل في التأثير المعنوي النفسي أبعد من الأمر المفروض بالقوة ، تغرس في معاني الاقتداء ما لا يملكه التسلط ، ومن هنا آكد قانون أو شرع قانون أو شرع تظاهره قناعة قادة يطبقونه
ولهذا لن يكون الاسلام بدون مسلمين ولا الإيمان بدون مؤمنين
والحياة الإسلامية لا تبنيها النصوص إنما ترفع أركانها مجموعة قيادية من المؤمنين ذات تأثير متكامل من تخصصات متنوعة يؤمهم رجل جامع للخصال شامل الاهتمام
إنه ارتكاس قديم عبر عنه احمد بن حنبل عندما رأى إهمال الثقات وصعود المنكرات وتوسيد الأمور إلى غير أهلها، فقال "إذا رأيتم اليوم شيئا سويا فتعجبوا"، وتكررت الانحرافات أكثر من مرة بعد أحمد وندر الاستواء حتى انعقد إجماع المؤرخين على أن كل مظاهر ضعف الأمة سببه سوء معادن المنفذين
ولابن القيم نص ذو طبيعة تاريخية يصف تلك الفترة ، يحدثنا كيف أن الشيطان صادف نفرا يتبعونه "اتخذ منهم حزبا ظاهروه ووالوه على ربهم ، وكانوا أعداء له مع العدو، يدعون إلى سخطه ويطعنون في ربوبيته ويفتنون أولياءه ويؤذونهم بأنواع الأذى ويجهدون على إعدامهم من الوجود، ، واللافت أن النص يصف طبيعة الصراع الحاضر بين الحركات الإسلامية ومعسكر الجاهلية ، فهو يذكر الحزب والفتنة والأذى والإعدام ، إنه صراع سياسي حزبي منظم لإقامة الدولة الجاهلية وقد أقاموها
وفي هذا ما يوجب على أصحاب الغيرة الإسلامية في كل مكان أشياء من التعاون والانتظام والتخطيط والتوسع العددي في عملية استدراكية من خلال ممارسة جهادية سياسية غير متهورة ، وكل مسلم مطالب بإبداء أثر في هذا الاستدراك والمشاركة حسب استطاعته
وما زال البعض يتأخر في السير مع قافلتنا ويسألون عن وجهتنا وربما يتشككون ، وما دروا أن المتأخر في الالتحاق متأخر في الفضل.
إن أمرنا ليس بحاجة إلى سؤال ، فقد يممت قافلتنا وجهها فوصل البعض : شهداء وآخرون سائرون في الوعظ والتربية والتهيؤ
الفحص في آثار الصالحين يوصيك أن لا تشتغل بالفصاحة والبلاغة فإن ذلك شغل لك عن مرادك ، بل افحص عن آثار الصالحين في العمل وواظب على الذكر ، وهو ما يترجم في اللغة المعاصرة بدراسة تجارب الدعوة الاسلامية في العمل السياسي والتنظيمي والتربوي.
ولكن هذه الدراسة تستدعي خلفية من السكينة الإيمانية التي يطفي بردها حرارة التتبعات الدنيوية، وهي المواظبة على الذكر ومعاني من الزهد والإخبات والتواضع تبطئ بالداعية لتمكنه خلال التأني من اعتدال التحليل ودقة القياس وصواب التعليل
فإذا اجتمعت المعرفة الإيمانية مع الموازنة التجريبية كان أمر الدعوة والداعية تاما
مشهد رهيب
قال الله تعالى؛ (( هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ )) عند المولى الحق لا يغني إلا الحق . اللهم سلم سلم.