من ورد الليلة الثالثة من شهر رمضان المبارك تعلّم المسلم - بفضل الله - كثيرا, يذكر منه ما يلي :
1 – أنّ التهيئة للأمور المستغربة بما يقرّبها, ويسهّل قبولها مقصد تربويّ عظيم.
لقد كان مولد عيسى بن مريم عليه السلام من غير أب معجزة خلقيّة عظيمة, مهّد لها القرآن؛ ليستوعبها الناس بيسر, فلا يضلّوا كما ضلّ النصارى, فقد قدّم لها بما يلي :
– استجابة دعاء امرأة عمران في ابنتها مريم عليها السلام (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا "
– إتيان رزق مريم من غير حساب (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )
– مولد يحيى من أبوين: شيخ كبير, وامرأة عاقر (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ )
إثر هذه المعجزات الممهّدة جاء مولد عيسى عليه السلام من غير أب , فيسّر ذلك على المؤمنين تقبّله؛ فالذي استجاب دعوة أمّ مريم عليها السلام في ابنتها, والذي رزق البنت ثمرا في غير إبّانه , والذي وهب شيخا ( زكريا ) وعاقرا ( امرأته ) ابنا في غير أوانه والذي خلق أبا البشر من غير أبوين, وأمّهم من أب دون أمّ لا يعجز أن يخلق ولدا من أمّ دون أب, فإن كانت معجزة الخلق هي باعث النصارى أن يعبدوا المسيح ابن مريم فهي في أولئك أبلغ, فلم لم يعبدوهم؟ إنّه الهوى والضلال.
2 – أنّ التعميم في مجال الحكم على الناس خطأ منهجيّ : (لَيْسُوا سَوَاءً ) ( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا )
3 – أنّ دعوات الحق لا تموت بموت قادتها؛ لأنّها تصنع البدائل, فيحلّون - عند الاقتضاء - محلّ القادة (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) على أنّ مكان نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم لا يسدّه أحد, لكنّ أمّتنا أمّة منجبة أنجبت الصديق والفاروق وذا النورين وذا اللواء, والقائمة – بحمد الله - تطول.
اللهمّ فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل, واهدنا لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم